الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية الرأى الحر: رسالة مفتوحة الى الأخ حسين العباسي

نشر في  04 مارس 2015  (09:30)

بقلم: محمد المنصف بن مراد

انت أعلم من أيّ كان بما أكن من احترام لاتحاد الشغل الذي  لعب دورا محوريّا في تحرير تونس ثم في انقاذ هذا البلد من تهديدات الظلاميين في السنوات الأخيرة.. لقد كانت كل هياكل الاتحاد درعا منيعا للتصدّي للمشروع المتطرّف ولن ينسى التاريخ ولا الشعب التونسي ما قدّمتم للبلاد. ومع هذا فانّ تفاقم الاضرابات والمطالبة بتحسين الأجور تطرح أسئلة عديدة لأنّ تونس ومستقبلها في خطر.. إنّي أتفهّم جيدا المطالبة بتحسين الأجور بما أن الأسعار التهبت حتى باتت بعض المواد لا  تطال الاّ في الأحلام، لكن ما هو الحلّ؟ ومن أين ستتوفّر الأموال؟ أمن القروض الأجنبيّة؟  أم من محاربة التهرّب الجبائي؟

للتذكير فإنّ تونس ـ ويا للمصيبة ـ أصبحت منذ سنوات تدفع قسطا من الأجور عن طريق المديونية الخانقة والمكبّلة، كما دمّرت التعويضات والانتدابات العشوائيّة اقتصاد البلاد وأضرّ التهريب بالقدرة الشرائيّة لضعفاء الحال.. ثمّ تصاعدت وتيرة الاضرابات وقُطعت الطرقات وفقدت تونس عشرات الآلاف من مواطن الشغل بعد أن غادر مستثمرون أجانب البلاد في حين اضطرّ بعض رجال الأعمال التونسيين الى بعث مشاريع في المغرب أو في بلدان أخرى.. والحقيقة أنّ الاضرابات لم تضر ـ وحدها ـ بل انّ الارهاب كان له أسوأ الانعكاسات على المناخ العام كما انّ الحكومات لم يكن لها تصوّر اجتماعي واضح واكتفت بتنفيذ سياسة البنك العالمي، فمن يتهم الاتحاد ودون سواه يرتكب خطأ كبيرا لأن المنظّمة الشغيلة طرف من عدة أطراف..

واليوم أمام اتحاد الشغل فرصة تاريخية لتقديم مقترحات ستسمح بعد سنوات قليلة بإنعاش الاقتصاد وتحسين الأجور وحماية ضعفاء الحال.. فلماذا لم يتمّ الاتفاق على تحسين الأجور بصفة ملحوظة (30 أو40 ٪) بعد ثلاث سنوات (إضافة للزيادات العادية) وذلك بإقرار سياسة جبائيّة عادلة ترغم أصحاب المهن الحرّة على دفع ما عليهم وبالتالي عدم التهرّب من الواجب الجبائي علما انّ الأموال المهرّبة يقدرها بعض الأخصائيين بـ10.000مليار! فقبل تقديم المطالب لماذا لم يضغط الاتحاد على الحكومة حتى تتعامل بجدية مع من يتملّصون من واجبهم الجبائي؟ ولماذا لم يقع الحدّ من الاضرابات في الحوض المنجمي حتى يتوفّر لتونس 2000 مليار من مليماتنا سنويا مع تخصيص 20 أو 30 ٪ من المداخيل لتنمية ولاية قفصة وتشغيل أبنائها... ولماذا لم يضغط الاتحاد على الحكومة حتى تقلّص من مصاريفها وتخفض في أجور المسؤولين ومن بينهم أجور رئيس الجمهورية ومن سبقه في المنصب والوزير الأول ورئيس مجلس النواب وكل الوزراء؟ ان التداين وضمان الزيادات بالقروض الأجنبية أمر غير مقبول على الاطلاق، كما انّ الاضرابات المضرّة والتي تشل التنمية غير مقبولة، وفضلا عن ذلك فانّ السياسة الاقتصاديّة والجبائيّة الحكومية غير مقبولة!

انّ تونس بحاجة الى ميثاق اجتماعي واقتصادي جديد يتطلّع الى ارساء مجتمع متطوّر ومتكافئ الحظوظ كما علينا ان نفكّر في تطوير منظومتنا الاقتصاديّة والاجتماعية خلال السنوات الخمس المقبلة (مع اقرار زيادات في الأجور يقع الاتفاق عليها).. وهنا فإنّ أسئلة محيّرة تطرح نفسها:
1) كيف يمكن ضمان أجر أدنى بـ700 أو 800 دينار بعد 5 سنوات من خلال تحسين الانتاجيّة؟
2) كيف يمكن تحسين أجور الأمنيين والجنود والقضاة وأسرة التعليم ومن يتعاطون أعمالا شاقّة؟ ومن أين ستموّل هذه الزيادات؟
3) كيف يمكن تطبيق العدالة الجبائيّة ـ لا بالرّفع من قيم الجباية ـ بل باجبار المتهرّبين من الواجب الجبائي على دفع ما ينهبونه؟
4) كيف يجب التقليص في أجور كبار المسؤولين سواء كانوا في الحكومة أو الرئاسة أو مجلس النواب حتى يكونوا مثالا يحتذى به وما هي الوسائل لتخفيض امتيازات الإدارة؟
5) كيف الحدّ من الاضرابات في القطاعين الخاص والعام في انتظار إيجاد حلول جذريّة وتخصيص جزء هامّ من الزيادات المرتقبة لإحداث مواطن شغل؟
6) كيف يمكن التصدّي للمهرّبين والفاسدين الذين استحوذوا على 50 ٪ من الاقتصاد التونسي،  وأموالهم لا تخضع لأيّ رقابة جبائيّة؟
7) كيف يتم الكفّ عن الاضرابات مؤقّتا وتعويضها بوضع شارة حمراء على السّاعد لأنّه دون مؤسّسة اقتصاديّة قويّة تحترم الحقوق المنصوص عليها في القوانين والاتفاقات ستنزلق بلادنا الى الهاوية. انّ الاضرابات المتتالية وقطع الطريق ومنع أجراء من العمل من قبل زملائهم أمر في منتهى الخطورة، وأمّا البديل  فحوار معمّق سيسمح بإرساء مجتمع أكثر عدالة مع تصوّر استراتيجية تنموية أكثر جدوى بالنسبة للولايات التي وقع تهميشها...
8) انّ بلادنا بحاجة الى رؤية جديدة تضمن للأفراد ولكل الولايات وللمؤسّسة الاقتصادية ظروفا ايجابيّة لا تتقيد بإملاءات البنك الدولي بل بعقد اجتماعي جديد يؤمّن العيش الكريم للعامل ونموا سنويا برقمين للمؤسّسة الاقتصاديّة التي يجب حمايتها من العراقيل والاضطرابات.
انّ واجب اتحاد الشغل الذي حمى تونس في الماضي من تهديدات الفاشية والمتشدّدين ان يحمي بلادنا بالتقليص من الاضطرابات في مرحلة انتقالية لكن لا يجب ان يتحمّل منخرطو الاتحاد ـ وحدهم ـ العبء، فعلى الحكومة ان تشنّ ـ من موقعها ـ  حربا على التهرّب الجبائي وان تقلّص من مصاريفها كما انّ على بعض الأعراف ان يدركوا ان للعمّال الحقّ في المطالبة بتحسين أجورهم في نطاق احترام القوانين.
إنّنا بحاجة الى ميثاق اجتماعي جديد ومنوال تنمية جديد هو أيضا..